ليلة من أجل اللاجئين وتأملات في عودة يوسف كات ستيفن للموسيقى - للحديث بقية (٨)
21 Jun 2025
الأسبوع الماضي حضرت فعالية سنوية تُسمى “ليلة من أجل اللاجئين”، وهي فعالية رياضية سنوية رمزية تهدف إلى محاكاة جزء من معاناة اللاجئين الذين يُجبرون على السير ليلًا.
تنقسم الفعالية إلى مسارات مختلفة: النسخة الأصلية تمتد لـ40 كيلومترًا وتبدأ بعد العاشرة مساءً، وهناك نسخ أقصر تُقام نهارًا لمسافة 20 كيلومترًا أو 10 كيلومترات. يشارك فيها الناس لأسباب متعددة:بعضهم بدافع إنساني، وآخرون بدافع رياضي أو حتى بدافع الفضول. الفعاليات عبارة عن مشي وليس ركض بالمناسبة.
يقام الحدث سنويًا في عدة مدن هولندية بالتوازي، ويعتمد بالكامل على المتطوعين والتبرعات. العام الماضي، جمعت الفعالية أكثر من 1.7 مليون يورو لدعم جهود الإغاثة في دول معينة.
شاركت هذا العام في فئة الـ20 كيلومتر، وكانت تجربة جميلة بشكل لا يوصف: أن تمشي قرابة خمس ساعات وسط غرباء جميعهم يشاركون في سبيل هدف إنساني مشترك.
علق في ذهني أمران خلال ذلك اليوم:
الأول، جيش المتطوعين المتنوع الأعمار والأعراق، جهد جبار فعلا. احترم بشدة كل من يتطوع بوقته وجهده للعمل الإنساني.
الثاني، سيدة هولندية تجاوزت السبعين من عمرها، شاركت في المسار الليلي الكامل (40 كيلومترًا)، وانتهت منه في وقت متأخر من صباح اليوم التالي، ثم، بدون نوم، التحقت مباشرة بمظاهرة ضخمة في لاهاي لدعم غزة (التظاهرة هي الأضخم منذ عشرين عامًا)، لياقة عجيبة بالإضافة إلى حماسة تحسد عليها في سبيل قضية تؤمن بها، وهنا يحضرني سؤال: كم أكبر مسافة تستطيع قطعها في يوم واحد عزيزي الشاب :)
-----------
تأملات في عودة يوسف كات ستيفن للموسيقى
بشكل عام، تشدني قصص التحوّلات الفكرية، الناس الذين يغيّرون قناعاتهم بشجاعة، أيًا كان الاتجاه. يدهشني وقوفهم ضد التيار والتحدث بصراحة عن ما هم عليه وما يؤمنون به، خصوصًا في القضايا الحساسة كالدين.
أؤمن أن لكل إنسان رحلته الخاصة، تتأثر بخبراته، مصادفاته، وتأملاته الداخلية. أتحدث هنا عن من ينطلقون بهدوء، من منطلق بحثي متجرّد، يبنون قناعاتهم تدريجيًا وبشكل واعٍ. بالمقابل، لا أميل إلى التغيّرات الجذرية الغاضبة، تلك التي تحدث كردّة فعل حادّة على ظرف أو تجربة. غالبًا ما أُشكّك في دوافع أصحابها، حتى لو كانت هذه التحولات من شيء يبدو خاطئًا إلى آخر يبدو صائبًا. فالتغيير الحقيقي في رأيي، يُبنى على مهل ويستغرق الكثير من الجهد، ويحتاج إلى مساحة من التأمل لا إلى لحظة انفعال عابرة.
في قصة يوسف إسلام - أو يوسف كات ستيفنز كما يفضّل أن يُعرف الآن - وتحوّله إلى الإسلام، والتي يبدو أنه خاض فيها عدّة مراحل، الكثير من التفاصيل والتي على اثرها انسحب من الساحة الموسيقية في أواخر السبعينيات، وكرّس حياته حينها لأعمال التعليم والخدمة المجتمعية.، لكن هذا ما لن أخوض فيه أكثر هنا.
لفترة طويلة، لم أكن أعلم أن يوسف عاد إلى الغناء مجددًا، بل إنه صار يقيم حفلات ضخمة حول العالم.
في مقابلات عدة، تحدث عن أن قراره بترك الغناء كان نتيجة شعوره بأن الشهرة أصبحت طاغية (“I got too big”)، وأنه بحاجة للعودة إلى الأرض. أحد المواقف التي دفعته لإعادة التفكير في علاقته بالموسيقى، كان عندما اشترى ابنه جيتارًا وأحضره إلى المنزل. بعد أكثر من 25 عامًا من ابتعاده عن العزف، التقط يوسف الجيتار بدافع الفضول، ليكتشف أن شيئًا ما في داخله يعود إلى السطح. كما عبّر لاحقًا، أدرك أن الفن، رغم كل ما تخلّى عنه، لا يزال يملك القدرة على أن يكون وسيلة للضوء، للنُبل، وللتواصل الإنساني الحقيقي.
لا تبدو عودة يوسف انقلابًا على قناعاته، بل امتدادًا واعيًا لرؤيته الجديدة. وصفت صحيفة الغارديان لحظة رجوعه إلى المسرح بأنها “وقوف صامت للجمهور تعبيرًا عن تقدير واعتراف بأن رحلة اكتشاف الذات تستحق كل هذا الوقت”.
عودته لم تكن فقط عودة فنية، بل كانت عودة لإنسان اختار أن يُصالح بين ماضيه وحاضره، أن يقول: أنا هذا وذاك. وهنا لفتة إنسانية في ما يتعلق بتعاطي عامة الناس مع الغير: إن القلوب تميل لما هو أصيل وصادق، حتى إن لم يكن متطابقاً مع قناعاتها. الناس حين تحبك، فإنها تحبك كما أنت، أياً كان ما أنت عليه.
كتب الأغنية يوسف في أواخر الستينيات، وكانت في الأصل جزءًا من مشروع مسرحي موسيقي كان يعمل عليه بعنوان “Revolussia”. تدور أحداث المسرحية حول شاب روسي يريد الانضمام للثورة بينما والده يريده أن يعيش حياة هادئة تقليدية. لم تكتمل المسرحية، لكن الأغنية بقيت لأنها أكثر عمومية وتمس مشاعر كثير من الناس، حيث أنها تتحدث عن الصراع الأبدي بين التقاليد والطموح، الحب والسيطرة، والحكمة والخبرة مقابل الحلم والاندفاع.
”للحديث بقية“ هي رسائل شخصية أشارك فيها لحظات من يومياتي، وتأملات هادئة، ومحادثات مع الذات، وصور مرئية، وموسيقى، وأي شيء آخر أجده يستحق القراءة أو التفكير فيه.
سيبقى صندوق الوارد الخاص بك هادئًا. لا تتوقع أكثر من رسالة إلى أربع رسائل إلكترونية شهرياً. وبالطبع، سيبقى بريدك الإلكتروني خاصاً. دائماً.
بشكل لا واعٍ، نميل إلى تصنيف كل ما حولنا: الأشخاص، الآراء، وحتى النوايا. نريد للناس أن يكونوا شيئًا يمكننا تسميته، اختصاره، ووضعه على الرف المناسب. ربما هو نوع من الترتيب النفسي، أو محاولة للسيطرة على فوضى العالم، لكنها في كثير من الأحيان محاولة لتقليص إنسان معقّد إلى منتج موجود في خزانتك.
“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.