في زحمة الإنجاز، من يستمع للهمس؟
عن الحضور، الإنصات، ولماذا لا يجب أن نستفيد من كل لحظة
متى كانت آخر مرة استمعت فيها إلى الضجيج؟ إلى أصوات المارة أو إلى حديث الناس في الأماكن العامة؟ بهدوء واستمتاع ودون مشتتات؟
بدأت علاقتي بالاستماع الطويل أثناء التنقل، من البودكاستات الصوتية إلى الكتب المسموعة. كانت البداية مع رحلات القطار التي أستخدمها بشكل دوري، ثم تحوّل الأمر إلى روتين يومي حتى أثناء المشي أو ركوب الدراجة. ولا أنكر أني استمتعت بهذه الرفقة (وما أزال). كتب عديدة ما كنت لأطّلع على محتواها لولا الكتب الصوتية، والكثير من الحوارات والمقابلات.
في أحد الأيام، خرجت على عجل ونسيت سماعاتي. لم يكن لدي وقت كافٍ للعودة، وشعرت ببعض الحسرة على ما ظننته وقتًا ضائعًا سيمر بلا فائدة.
وأنا أقود دراجتي إلى محطة القطار، وقفت إلى جواري مراهقتان تتحدثان وتضحكان بصوت عالٍ. ضحكاتهما كانت بمثابة تنبيه مفاجئ: يا الله، كم مضى من الوقت منذ أن سمعت ضحكات عابرة بهذا الصفاء؟ وكم مضى منذ أن أنصتُّ لهمس الناس وضجيجهم في محطات القطار؟
قبل شهرين تقريبًا، شاركت في تجربة جماعية (Retreat) لأول مرة. كان أحد شروط الحضور إبقاء الهاتف بعيدًا، مع إمكانية فتحه مساءً فقط وفي أماكن غير عامة. لكنني اخترت ألا أفتحه إطلاقًا، ولا أتواصل مع أحد طوال ثلاث ليالٍ.
في اليوم التالي، سرنا وسط الأشجار، وكان من بين التمارين التأملية: الاستماع المنصت للطبيعة. وهناك تذكرت أن آخر خروجاتي للطبيعة كانت بصحبة بودكاستاتي وكتبي الصوتية. باختصار، كنت أعيش في عوالم افتراضية على حساب الواقع واللحظة. تُرى، كم من اللحظات البسيطة فاتتني لأنني كنت منشغلًا بالاستماع بدلًا من العيش في اللحظة الراهنة؟
انتبهت ايضا انه لم تعد حورات تلقائية تحدث لي في كثير من الاماكن العامة مثل السوبر ماركت او الشارع لاني اضع سماعات لاوقات كثيرة والتي تعبتر مثل لوحة تحذيرية ( لاتكلمني).
ربما الاستفادة القصوى من الوقت ليست دائمًا ربحًا. وربما نحتاج أحيانًا إلى أن نترك المجال لصوت الحياة أن يمرّ فينا، بلا وساطة.
أن تكون حاضرًا بالكامل ليس رفاهية. هو مقاومة هادئة ضد عالم يقيس قيمتك بما تنجز، لا بما تشعر. أن تسمح لنفسك أن تسمع، أن ترى، أن تكون — دون مهمة، دون هدف — هو فعل مقاومة. وربما، هو أول طريق للعودة إلى نفسك.
فلم جميل للمشاهدة
(Departures)

من الافلام التي تركت فيني اثرا قويا. فلم "مغادرة" الياباني، هو دراما إنسانية تتناول موضوع الموت من زاوية غير مهنة تجهيز الموتى. فلم يسلّط الضوء على الكرامة، الفقد، والمصالحة مع الحياة من خلال تفاصيل يومية دافئة. الفلم هادئ ومؤثر، يُعيد تعريف معنى الرحيل والوصال في آنٍ واحد.
من اخراج يوجيرو تاكيتا، وحصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2009.
اترككم مع هذه الاغنية السعيدة في النهاية
My Beauty
BEAUTY FREAK FEAT. MALEE
هل ترغب بالاشتراك بنشرتي البريدية؟
إقرأ أيضا

اعي جيدا أنه في مرحلة معينة يتوجب على المرء التوقف عن محاولة تغيير كل شيء من حوله والانسياب مع تيار الحياة.ان مقاومة تيار الحياة تستنزف الروح بلا توقف. الاستسلام هنا ليس هزيمة، بل حكمة؛ أن تسمح للأشياء أن تكون كما هي. احسد اولئك الذي يستطيعون التنفس وسط الفوضى دون البحث عن ترتيب لكل شيء.

نتحدث كثيرا عن الإختلاف والتنوع بينما نميل دائماً إلى من يشترك معنا في كثير من الأفكار والمعتقدات. نبحث لا شعوريا عن من يشبهنا، عن صورتنا المكررة أمام المراة. على الرغم من أننا ننتقدها أحيانا أخرى وبشدة.ينادي الانسان العصري بحرية التعبير والحوار لكنه لا شعوريا ينفر من ذلك الذي لا يتفق معه و يخالفه رأيا يعتبره ثابتا، "ذلك الوغد يتجاوز كل الخطوط الحمراء" ربما يقول في نفسه.