أشياء أخرى تُبقيك على قيد الحياة
في زحمة الحياة ومطالبها، يتوزع الإنسان بين ما يجب عليه تجاه نفسه، وعائلته، والآخرين.
لكن... ما الذي يُبقيك حيًّا حقًا؟
ما الذي يمنح كل ذلك الركض بعدًا أعمق، ويمنع الشعلة من الانطفاء وسط رياح الحياة العاتية؟
برأيي، تلك الأشياء "الأخرى" التي نفعلها على هامش الواجب، هي ما تُبقي القلب دافئًا وتضيف لرحلتنا في الحياة معنى.
تلك الأفعال التي لا مقابل مادي لها، ولا مصلحة مرجوة، لكنها تسقي نبتة ما بداخلنا.
منذ فترة طويلة، تأخذني فكرة بسيطة أصادفها من وقت لآخر:
ماذا يدفع إنسانًا لمساعدة آخر، فيما هو نفسه غارق في الهموم أو الخوف؟
كيف يزيح قلقه جانبًا، ولو للحظات، ليُعين آخر قد لا يعرفه بالضرورة؟
روى لي أحد أساتذتي الجامعيين، عندما التقيته صدفة في تركيا بعد تصاعد الحرب في اليمن عام 2015، أنه كان على معبر الوديعة الحدودي بين اليمن والسعودية.
كان هاتفه قد انطفأ، وقد مرت به بضع ليالٍ وهو في انتظار الدخول إلى السعودية.
حكى لي عن شخص غريب لا يعرفه، وكان أحد العالقين أيضًا في المعبر، وكان يساعد الآخرين ليتواصلوا من خلال هاتفه مع معارفهم في السعودية، وكيف كان لهذا الشخص فضل كبير في عبور أستاذي وعائلته.
يحكي لي الأمر، وكيف أنه ممتن لذلك الغريب الذي ربما لن يراه مجددًا في حياته.
من أنبل ما يمكن أن تفعله، وأنت تركض في هذه الحياة، أن تعين شخصًا آخر دون أن تنتظر شيئًا بالمقابل.
وهنا، بالمناسبة، أود التفريق بين أن تعطي بلامبالاة من أجل راحة ضميرك، مثل أن تعطي أحد المتسولين في الطريق، وبين العطاء مما يعزّ عليك، من مال أو جهد، في سبيل تغيير حياة شخص أو أشخاص للأفضل.
الأكثر نبلًا من ذلك، أن تعطي بشكل منتظم وفي اتجاه محدد.
من السهل أن نُلقي المال لأحدهم ثم نمضي بلامبالاة، لكن من الصعب أن تتوقف وتعطي من وقتك وجهدك وربما مالك، لتعين أحدًا ما على تغيير حاله.
كان والدي، رحمه الله، شديد التدين والورع، وكان يردد الآية القرآنية على الدوام:
"لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"
وهذه من الآيات التي دائمًا ما ترنّ في رأسي.
مقتطفات من كتاب الحكمة الضائعة: الإبداع والاضطراب النفسي والمجتمع
من الطف الكتب التي مررت بها والتي تتحدث عن ظاهرة الابداع وهو للكاتب عبدالستار ابراهيم.
الكتاب ينسف الفكرة المتداولة عن أن الإبداع لا يزدهر إلا في حضن الاضطراب او ان المبدع شخص فيه "هفة". يناقش الكاتب المسافة المعقدة بين العبقرية والمرض النفسي، لا لينفيها تمامًا، بل ليفككها، ويعيد بناءها على ضوء علم النفس الحديث مع عرض كثير من الامثلة لمبدعين عرب وغربيين.
اقتطفت منه مقطعين:
هل الابداع مرض ام علاج نفسي؟

عن التركيز، الانعزال، وسوء فهم الاخرين.

فلم يستحق المشاهدة
The Secret of The Grain

اذا لم تكن قد شاهدت هذا الفلم حتى الان فقد فاتك الكثير. السر الكسكس او السر في الحبوب هو الاسم العربي لهذا الفلم الذي اخرجه التونسي الفرنسي عبداللطيف كشيش.
فيلم عن أشياء لا تُقال لكنها تحدث على الدوام.
عن أبٍ يحاول أن يبدأ من جديد في وقتٍ متأخر، بينما يأكله التعب، وتطارده نظرات الآخرين.
جوهر الفلم يدور حول الكرامة، والعائلة، والمكان الذي لا يراك مهما طال بقاؤك فيه. فلم عميق مليء بالمشاعر وثقيل جدا.
اقتطف منه هذا الحوار العظيم:
"لو كان الأمر مقتصرا علينا فحسب
فبعض حبات الزيتون وقطعة خبز
ستكون أكثر من كافية
ولكن عندما نراكم، سعداء وما إلى ذلك
فهذا شعور رائع لنا.
نحيا مجددا، أتفهمين؟
...العزلة والغربة والهوان
كل هذا يصبح وراء ظهرنا
،نفكر أننا على الأقل لم نكن
...فقط لم
لم نهاجر من أجل لا شيء"
The Secret of the Grain (أو "La Graine et le Mulet")، فيلم من إخراج وتأليف عبد اللطيف كشيش.
حاز جائزة الأسد الفضي وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان البندقية السينمائي عام 2007، بالإضافة إلى أربع جوائز سيزار من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج.
على هامش الحياة

السبت ٣ مايو ٢٠٢٥
مدينة خروننجن- شمال هولندا
-------
في الطريق الى القطار الى محطة دنهاخ (لاهاي) مساءا مررت بقبلتين ورجل يركل القمامة.
-----
هل ترغب بالاشتراك بنشرتي البريدية؟
إقرأ أيضا

قرأت ذات مرة عن الوجع الذي قد تسببه "الذكريات الجميلة" وبقدر ما أدركت ذلك من خلال التأثير التي تحدثه فيني مثلا رؤية الصور القديمة لمن أحب. إلا أن الأمر يأخذ تأثيرا آخر عندما تعود بجسدك وحواسك للأماكن القديمة التي سرت فيها. أن تسير وسط اكوام ذكرياتك القديمة، تجربة مميزة ومختلفة. أن تبحث عن أي أثر لنفسك التي كنت يوما.

“الالحاد اصبح موضه هذه الايام … هذا ما اسمعه كلما طرحت سؤالا بين الاصدقاء او على الشبكات الاجتماعية ” يقول شاب اخر؟ كل يوم يصطدم عدد متزايد من الشباب والفتيات بكثير من الأفكار الدينية أو الاطروحات الموجودة لتبدأ بعدها دوامة متواصلة من البحث والتساؤلات التي يجر بعضها بعضا والتي لا يجدون لها الاجابات الشافية المقنعة. الأسوء في هذا الجانب هي حالة الوعيد والتهديد سوائا بالتصريح أو التلميح التي يُقابل بها هؤلاء من الذين من حولهم. يتجنب البعض ويكتم اسئلته الى حين. والأسئلة لا تموت حتى وإن دفنت.