عن الإستسلام للحياة والتوقف عن محاولة تغيير كل شيء وقصة عادية عندما لاتكون أنت بطلها - للحديث بقية (٣)
17 May 2025
اعي جيدا أنه في مرحلة معينة يتوجب على المرء التوقف عن محاولة تغيير كل شيء من حوله والانسياب مع تيار الحياة. ان مقاومة تيار الحياة تستنزف الروح بلا توقف. الاستسلام هنا ليس هزيمة، بل حكمة؛ أن تسمح للأشياء أن تكون كما هي. احسد اولئك الذي يستطيعون التنفس وسط الفوضى دون البحث عن ترتيب لكل شيء.
لا يعني هذا الامر ان يذوب الإنسان ذوبانا كاملا مع محيطه بل هي شجاعة في اختيار السلام على الصراع، وفي رؤية الجمال في الأشياء كما هي، لا كما أردتها أن تكون. هل جربت يومًا أن تترك الحياة تقودك دون مقاومة؟ الأمر يحتاج شجاعة اكثر من ما يبدو من بعيد.
----------
أشياء تبقيك على قيد الحياة (٢)
أحيانًا، تصادف أشخاصًا يشبهونك في تفاصيل صغيرة أو كبيرة، دون سابق معرفة.
خلال هذا الأسبوع، حضرت لقاءً مفتوحًا للفنانين من دول وخلفيات متنوعة. لم يكن الأمر مخططًا له، بل جاء عفويًا، لكنه أيقظ في داخلي مشاعر دافئة افتقدتها وسط زحام الأيام.هناك جمال خاص في أن تلتقي من تجمعك بهم اهتمامات أو رؤى مشتركة، أن ينفتح الحديث معهم على مسارات غير متوقعة، ويمنحك طاقة جديدة. أحد الحاضرين، فنان من الصين، قال عبارة معرفة شخص جديد تشبه اكتشاف كون مختلف لا تدرك ماهيته." ربما لهذا السبب تظل مثل هذه اللقاءات من أكثر الأشياء التي تمنحنا الحياة.
--------
من أحاديث الأصدقاء
قصة عادية عندما لا تكون أنت بطلها
حكى لي صديق، يعمل كسائق أوبر إلى جانب عمله الأساسي، عن راكبة بدت في الستينات من عمرها. بدأت تتحدث إليه بالإنجليزية، ثم ما إن عرفت أنه عربي، حتى انطلقت بلهجتها المصرية تنصحه بكل ما أوتيت من حجج أن يترك كندا.
حدثته عن سبب مجيئها إلى ذلك البلد، وعن التضحيات الجسيمة التي قدمتها في سبيل أن يحظى ولداها (ولد وبنت) بمستقبل مادي أفضل. كانت تحكي بحزن كيف هجراها لاحقًا، وكيف أن الحياة سحبتهما بلا عودة. قالت له أيضًا إن خطتها أن تموت في مصر. قالت: "يا ابني، لو انت مت هنا، ما حدش حيعرّف إنك مت."
طلبت منه بإصرار أن يأخذ رقمها ليطمئن عليها من وقت لآخر.
يقول صديقي إننا جميعًا نتعامل مع هذا النوع من القصص بتعاطفٍ بارد نوعًا ما. لكن ما يغيّر الأمر هو أن تتخيل أن الحياة التي مرت بها تلك المرأة، هي حياتك أنت، وأن النهاية التي تراها الآن بعيدة، قد تكون نهايتك القادمة.
على هامش هذه القصة ياتي تساؤل: ايهما يبقى اطول بجوارك: الشركاء ام الاولاد؟ … وعلى الهامش التساؤل والقصة استذكر قصيدة العمة يامنة للأبنودي
----------
صورة من الذكريات وفلم
اثناء تصفحي لأرشيف ملاحظاتي مررت بهذه الصورة التي تعود للعام ٢٠١٧ والتي التقطتها صحفي سوري (هادي عبدلله) لفلاح سوري يخوض الحرب والتي كانت في اوجها ولكن بطريقته. البقاء في الارض وزراعتها هو نوع من القتال الصعب الذي يصعب على الكثيرين. الصورة بدورها ذكرتني بفيلم "اليوسفي" والذي اشاركه بالاسفل.
--------
Tangerines
فلم “Tangerines" (او مايعني المندرين او اليوسفي) عمل جورجي-استوني يحكي دراما محبوكة بين اعداء وجدا أنفسهم في بيت واحد … نال ١٠ جوائز ومن أروع ماشهدت بالفعل.
فلم من اجمل الاعمال عن الحروب. وتُطرح فيه تساؤلات الحرب بالنسبة للمقاتلين وماذا تعني لغير المحاربين والنقطة الهامة جدا التي يطرحها الفلم باناقة كيف تأثر المساحات المشتركة على القناعات الأفراد وتغير مواقفهم من القضايا نفسها.
التصوير تم بعناية واتقان هائل مع كثير من الرمزيات المزروعة في تفاصيله، اما الموسيقى فهي ساحرة فعلا.
”للحديث بقية“ هي رسائل شخصية أشارك فيها لحظات من يومياتي، وتأملات هادئة، ومحادثات مع الذات، وصور مرئية، وموسيقى، وأي شيء آخر أجده يستحق القراءة أو التفكير فيه.
سيبقى صندوق الوارد الخاص بك هادئًا. لا تتوقع أكثر من رسالة إلى أربع رسائل إلكترونية شهرياً. وبالطبع، سيبقى بريدك الإلكتروني خاصاً. دائماً.
بشكل لا واعٍ، نميل إلى تصنيف كل ما حولنا: الأشخاص، الآراء، وحتى النوايا. نريد للناس أن يكونوا شيئًا يمكننا تسميته، اختصاره، ووضعه على الرف المناسب. ربما هو نوع من الترتيب النفسي، أو محاولة للسيطرة على فوضى العالم، لكنها في كثير من الأحيان محاولة لتقليص إنسان معقّد إلى منتج موجود في خزانتك.
متى كانت آخر مرة استمعت فيها إلى الضجيج؟ إلى أصوات المارة أو إلى حديث الناس في الأماكن العامة؟ بهدوء واستمتاع ودون مشتتات؟ بدأت علاقتي بالاستماع الطويل أثناء التنقل، من البودكاستات الصوتية إلى الكتب المسموعة. كانت البداية مع رحلات القطار التي أستخدمها بشكل دوري، ثم تحوّل الأمر إلى روتين يومي حتى أثناء المشي أو ركوب الدراجة. ولا أنكر أني استمتعت بهذه الرفقة (وما أزال). كتب عديدة ما كنت لأطّلع على محتواها لولا الكتب الصوتية، والكثير من الحوارات والمقابلات.