من الأشياء اللطيفة جدًا في السفر أن تسكن في بيت أحد لا تعرفه. فكرة أن تدخل حياة شخص غريب لفترة معينة، وترى ذكرياته أمامك ككتاب مفتوح. يختلف الناس في هذا الأمر، لكن من تجربتي، كبار السن خصوصًا لا يُبالون كثيرًا بمسألة الخصوصية.
سكنتُ في مرسيليا في منزل كاتب فرنسي متقاعد (أسميته هنا: السيد “جي”).
تستطيع من خلال أثاث البيت ومحتوياته أن تعرف الكثير عن حياة صاحبه. ترى أرواح الناس التي عاشت فيه، والصور المعلّقة وتلك الموضوعة على الرفوف تقول لك الكثير.
تعرف ما يحب صاحب البيت وما يهتم به من هوايات. من خلال أدوات المطبخ، يمكنك أن تكتشف إن كان يحب الطبخ، وهل هو من أنصار حزب المكرونة والوصفات السهلة أم أنه يأخذ الموضوع بجدية أكثر. أنواع البهارات تجيبك عن المطبخ الذي يُفضّله وعن مدى إهتمامه بتفاصيل الطعام، وجودة الشاي والقهوة تعطيك تصورًا عن ذائقته. عرفت أيضا من خلال محتوى البيت أنه يحب التصوير ويعشق موسيقى الجاز. البيت كان يحوي كثيرا من التحف القديمة (الانتيكات) التي بدا أنها عاشت معه منذ كانت جديدة. تفاصيلها تشبهه، وتحمل ملامح الزمن الذي أحبّه.
من الأشياء اللطيفة أيضًا كمية الكتب الموزعة في كل مكان داخل البيت، بالإضافة إلى علاقته الواضحة بالتحف القديمة (الانتيكات) التي أظن أن بعضها عاش معه منذ كانت جديدة. أظن — كما يظن كثيرون — أن الإنسان بطبعه يحب الاحتفاظ بالأشياء التي تربطه بذكريات.
أعجبتني كذلك المكتبة الصغيرة الموجودة في الحمام، والتي تضم الكثير من الروايات والكتب الخفيفة، على طريقة كتب “هل تعلم؟”. وكأن الحمام عنده ليس لقضاء الحاجة فحسب بل فرصة لالتقاط فكرة.
لم التق صاحب البيت ولكني شعرت أنه أخبرني بالكثير عن نفسه.
--------------------
فلم للمشاهدة
What the Day Owes the Night
فيلم What the Day Owes the Night يُجسّد قصة طفل جزائري يجد نفسه بين عائلتين، هوية مزدوجة، وحبّ لم يكتمل. كيف تحاول أن تنتمي؟ كيف تحب بصمت، وكيف تُجبر على الانحناء بين الحبّ والوطن والتاريخ.
الرواية التي أُخذ عنها الفيلم نُشرت عام 2008 بعنوان Ce que le jour doit à la nuit، للكاتب الجزائري ياسمينة خضرا (الاسم القلمي لمحمد مولسهول) . كتبها مستوحاة من تجاربه كضابط في الجيش الجزائري، ورؤيته اليومية للصراع بين الضفة العربية والفرنسية في حياته وفي بيئته.
”للحديث بقية“ هي رسائل شخصية أشارك فيها لحظات من يومياتي، وتأملات هادئة، ومحادثات مع الذات، وصور مرئية، وموسيقى، وأي شيء آخر أجده يستحق القراءة أو التفكير فيه.
سيبقى صندوق الوارد الخاص بك هادئًا. لا تتوقع أكثر من رسالة إلى أربع رسائل إلكترونية شهرياً. وبالطبع، سيبقى بريدك الإلكتروني خاصاً. دائماً.
قرأت ذات مرة عن الوجع الذي قد تسببه "الذكريات الجميلة" وبقدر ما أدركت ذلك من خلال التأثير التي تحدثه فيني مثلا رؤية الصور القديمة لمن أحب. إلا أن الأمر يأخذ تأثيرا آخر عندما تعود بجسدك وحواسك للأماكن القديمة التي سرت فيها. أن تسير وسط اكوام ذكرياتك القديمة، تجربة مميزة ومختلفة. أن تبحث عن أي أثر لنفسك التي كنت يوما.
لا أستطيع مقاومة الدخول إلى المقابر كلما مررتُ بها في مدينة أو دولة جديدة. تبدو لي المقابر أشبه بمرآة صامتة لثقافات الشعوب: مواقع المقابر وتصميمها، كيف يودّعون موتاهم؟ هل يكتبون على قبورهم؟ هل يؤمنون بحياة أخرى بعد الموت؟ هل يخلّدون أسماءهم بتماثيل ونقوش؟ أم يحرقونهم أم يوارونهم ببساطة في التراب؟